لقد اهتم الإسلام بالنظافة اهتماما كبيرا ، وأعطاها أهمية بالغة ، حتى جعلها شرطا لصحة الصلاة التي هي عمود الإسلام ، فلا تقبل صلاة أحد إلا بالطهارة ، وقد امتدح الله عزوجل أهل قباء ، وجعل حرصهم على النظافة والطهارة سببا في حبه تعالى لهم ؛ حيث قال : ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) التوبة108 قال البغوي في تفسيره : أي يتطهرون من الأحداث والجنابات والنجاسات ، وقال عطاء : كانوا يستنجون بالماء ولا ينامون بالليل على الجنابة .
و عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نزلت هذه الآية في أهل قباء" فيه رجال يحبون أن يتطهروا " قال كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية – رواه أبو داوود في سننه وصححه الألباني –
إذا فالإسلام هو دين النظافة ، حث أبناءه عليها في جميع أحوالهم ، عند صلاتهم ، وأكلهم ، وفي اجتماعاتهم ومجالسهم ، بل وحثهم عليها عندما يريدون أن يأووا إلى مضاجعهم ليستريحوا من تعب العمل طوال النهار. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ على شِقِكَ الأيْمَنِ وَقُلِ: اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إِلَيْكَ، وَألجأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةَ وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لا ملجأ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِليْكَ، آمَنْتُ بِكِتابِكَ الَّذي أنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذي أَرْسَلْتَ. فإنْ مِتَّ مِتَّ على الفِطْرَةِ، واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تَقُولُ" . وقد بين عليه السلام أن أمته تعرف من بين الأمم على كثرتها بهذا النوع من النظافة وهذا الأثر من الطهارة فيقول صلى الله عليه وسلم: (إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء - فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل). أما من اتهم الإسلام بعدم الحفاظ على النظافة فقوله باطل وكذبه مردود عليه ، حيث أن الأدلة الشرعية التي نأخذ منها أحكام حياتنا والتي تحثنا على النظافة كثيرة والحمد لله ، كما أن واقعكم شاهد عليكم بالقذارة ، وتفشي الأمراض في مجتمعاتكم خير دليل على ذلك .
ودونك أيها القارئ الكريم الرد على شبهتهم :
أولا : الفرق بين أمة الإسلام وغيرها في الحفاظ على النظافة : عندما تجاور المسلمون في الأندلس مع النصارى ظهرت هذه الفروق الحضارية جليَّة؛ ففي الوقت الذي كان المسلمون يعتبرون فيه النظافة من الإيمان، وشرطا لازما لأداء الصلوات والعبادات، كان مسيحيو الأسبان في الشمال ينهون عن النظافة، ويعدونها من أعمال الوثنيين، وكان الرهبان والراهبات يفخرون بقذارتهم؛ حتى إنَّ راهبة دونت في مذكراتها في صلف وتيه أنها إلى سنِّ الستين لم يمس الماء منها إلا أناملها عندما كانت تغمسها في ماءِ الكنيسة المقدَّس. وحينما عادت الأندلس إلى الحكم المسيحي كان أول ما فعله أحدُ ملوكها أن أصدر الأوامر بهدم كل الحمامات العامة ؛ لأنها من آثار المسلمين . وذلك لأنَّه "قد شاع في طول عالم النصرانية وعرضه روح تهدف إلى ترك الدنيا، وما فيها والانقطاع إلى الآخرة، حتى لقد شاع القول بأنَّه طالما سيهلك هذا العالم ويزول، فلماذا إذن التفكير فيه، وفي أموره؟ ثم إنه ساد جوٌّ عجيب من الزهد، ويدلنا التاريخ على كثيرين من القديسين الذين تركوا أجسادهم نهبا للحشرات والهوام تَدَيُّنًا، ولا عجب فقد امتنع بعضهم عن الاستحمام أو غسل الأيدي والأطراف طوال حياتهم، وشاع المثل الشائع وقتها بأنَّ القذارة من الإيمان!، وظلَّت البيوت في أوروبا تبنى بدون حمامات حتى القرن العشرين .
أمَّا الحال في بلاد المسلمين فكانت على الضدِّ، فإذا كانت القذارة تفشَّت بأوروبا في العصور الوسطى فإنَّ البلاد التي حكمها المسلمون قد كانت تشع ضياء وبهجة، وتشرق منها شمس الحضارة على أوروبا، فقد جاء في وصف مدينة قرطبة التي شيَّدها المسلمون أبَّان حكمهم للأندلس "كانت شوارعها مضاءة ومعبدة، وكان فيها كثير من الحمامات العامة، وكانت المياه تجلب إليها من الجبال خلال أنابيب الرصاص. أمَّا منازلها فكانت جميلة ومساجدها كثيرة ورائعة، ولا يوجد في أوروبا كلها مدينة تقارن بها"
لا عجب في ذلك ؛ فالمسلمون جعلوا القرآن العظيم نورا يهتدون به ، وجعلوا سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - طريق الفلاح الذي يسيرون به
ثانيا : (الجانب الشرعي ) لقد حثنا الله عز وجل ورسوله على النظافة ، وهذه طائفة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الدالة على ذلك : 1- قال تعالى : ( يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأيديكم وأرجلكم إلى الكعبين، وإن كنتم جنباً فاطهروا) 2- وقال تعالى : "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " 3- وقال : " يابنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " 4- وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء..." الحديث. رواه النسائي في سننه ، وهو حديث صحيح . 5- وعن ابن المسيب سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا - أراه قال- أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود " حسنه الألباني في مشكاة المصابيح . 6- "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ، فإنه لا يدري أين باتت يده" متفق عليه 7- وقد حرص الإسلام أيضا على أن يكون المسلم نظيف البدن والثوب ، حسن الهيئة ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى رجلا أشعث الرأس فقال ( أما يجد هذا ما يسكن به شعره )ورأى آخر عليه ثياب وسخة فقال ( أما يجد هذا ما يغسل به ثوبه ) " حديث صحيح – انظر السلسلة الصحيحة . 8- هذا وقد أرشدنا - صلى الله عليه وسلم- إلى المحافظة على نظافة الفم والأسنان حيث قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " 9- و قال -صلى الله عليه وسلم - : " خمس من الفطرة: الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر"
فالاستحداد ، أي إزالة شعر العانة وما حولها خشية أن تكون مقرا للطفيليات ومختلف أنواع الجراثيم بالنظر لقربها من القبل والدبر،
أما الختان فإن وجود (القلفة) وهي التي تغطي الحشفة قد يكمن تحتها بعض الجراثيم ، ولذلك وجب أن تزال ليسهل تطهيرها وإزالة ما قد يصيبها في أثناء الجماع أو التبول.
أما قص الشارب فلا يعني إزالته تماما ولكن قصه بحيث لا يتكاثف شعر الشارب فيكون مترا للإفرازات الأنفية وغير ذلك.
والإبط يمكن أن يكون مقرا للإفرازات الجلدية الضارة، وقد ينتقل إليه بعض الطفيليات من العانة ولذلك وجب نتف شعر الإبط.
أما الأظافر فإنها كثيرا ما تخفي تحتها الأوساخ والجراثيم ولذلك وجب تقليم الأظافر وقصها فبعد هذه الطائفة من الأدلة الشرعية القطعية الصحيحة لا يبقى للمبطلين حجة في اتهام الإسلام بعدم الحفاظ على النظافة . والحمد لله رب العالمين